السبت، 27 أغسطس 2011

يوم من عمري في مسجد عمرو بن العاص


استيقظت الجمعة 26 أغسطس 2011 م الموافق 26 رمضان 1432 هـ متأخرا بعد صلاة الظهر ولم يحدث هذا منذ سنوات لأنني أحافظ على صلاة الجمعة فأسرعت متوضئا وذهبت إلى المسجد ولحقت صلاة الجمعة عند الاقامه الحمد لله إنها آخر جمعه في شهر رمضان واحتمال أن تكون جمعة ليلة القدر أيضا أنا ذاهب اليوم إلى مسجد عمرو بن العاص سيصلى بنا التراويح الشيخ محمد جبريل كم كنت أتمنى أن اصلي خلفه في السنون الماضية عندما كان يجئ إلى مسجد العزيز بالله بحي الزيتون وأيضا سيصلي بنا التهجد الشيخ الرائع محمد حسان وبالفعل أخذت بعض الحاجيات والاطعمه والعصائر وتوجهت الى مترو الانفاق وركبت وعند العصر تماما كنت في محطة المترو وصليت العصر بالمحطه في جماعة صغيره وتوجهت الى المسجد العتيق اول مسجد بمصر وهو مسجد عريق تستشعر فيه عظمة التاريخ الإسلامى فعندما تطأ قدمك أرضه يعود بك الزمان إلى عصر الفتوحات الإسلامية وتقفز إلى مخيلتك صورة الصحابى الجليل عمرو بن العاص عندما فتح مصر وطهرها من فلول الرومان في ساحته توحدت قلوب المصريين وبأروقته تجمع خيار الصحابة فكان الإطلالة الدينية التي نقلت الإسلام بكل ما فيه من تألق وحضارة إنسانية إلي أفريقيا والجامعة الإسلامية التي تخرج منها الكثيرون من مفكرى الإسلام علي مدي الحقب الماضية ليبقى على مدار الزمان رمزا لتحرير مصر وشاهدا على تاريخها منذ أن دخلها الإسلام حتى الآن
يعتبر مسجد عمرو بن العاص اللبنة الإسلامية الأولى في القاهرة العاصمة ونظرا لدوره التاريخي في الماضي والحاضر وقيمته الأثرية العظيمة ودوره الحضاري في مناحي الحياة بمصر وفي كافة المجالات أطلق عليه العديد من الأسماء والألقاب منها الجامع العتيق وتاج الجوامع ومسجد الفتح ومسجد النصر وجامع مصر وقطب سماء الجوامع وهو أيضا أول جامعه إسلامية قبل الأزهر والزيتونة والقيروان لذلك اعتبره الكثيرون أزهر ما قبل الأزهر حيث تلقى فيه طلاب العلم كافة علوم اللغة العربية والدين الإسلامي الحنيف وهو الأثر الإسلامي الوحيد الباقي منذ الفتح الإسلامي لمصر ومن أشهر تلاميذه الإمام الليث بن سعد والإمام الشافعي والسيدة نفيسة وابن حجر العسقلاني وسلطان العلماء العز بن عبد السلام وقد أقيم المسجد على مساحة هائلة تبلغ 13800 مترا وتنتشر فيه العديد من الأعمدة التى يبلغ عددها 365 عمودا بعدد أيام السنة ويطل المسجد على النيل من الناحية الشمالية الغربية وهو مكان حديقة قيسبة بن كلثوم وقد عرض عمرو عليه أن يعوضه عنها ولكنه تبرع بها ورفض التعويض وعند افتتاح المسجد كانت مساحته حوالى 675 مترا وله ستة أبواب بابان تجاه دار عمرو بن العاص من الجهة الشرقية وبابان من الشمال وبابان من الغرب وكان سقفه منخفضاً ومكوناً من الجريد والطين محمولاً على ساريات من جذوع النخل كما كانت الحوائط من الآجر والطوب اللبن وغير مطلية ولم يكن به صحن وكانت أرضه مفروشه بالحصباء وبه بئر يعرف بالبستان استخدمه المصلون وقتها للوضوء وقد تعرض المسجد للعديد من عمليات الترميم والتجديد حيث لم يبق من البناء القديم سوى موقعه فقط فقد مرت عليه أحداث جسام أثرت على معالمه وأدت إلى انهيار أجزاء منه ومن أهم هذه الأحداث الحريق الأول فى 9 صفر 275هـ حين اشتعلت النيران فى نهاية المسجد وكذلك الحريق الثانى عام 564هـ أثناء حريق الفسطاط بسبب نزاع شاور وضرغام وأيضاً الزلزال المدمر الأول عام 702هـ والزلزال المدمر الثانى الذى هز مصر 15 ربيع الثانى عام 1992مـ وعلى أثره تولت هيئة الآثار القيام بأعمال الترميم وفى 24 مارس 1996 شهد المسجد انهيار 150 مترا من سقف الجامع فى الجزء الجنوبى الشرقى برواق القبلة وشمل الانهيار ثلاثة عقود في أقدم منطقة بالمسجد بعد سقوط أحد الأعمدة وكان قد تعرض للعديد من عمليات الترميم والتجديد ترجع إلى العصر العثمانى وقد قام الدكتور عبد الحليم نور الدين على الفور بزيارة الموقع وتشكيل لجنة فنية للتعرف على أسباب الانهيار وخلال ذلك أمر الرئيس السابق مبارك بفك إيوان القبلة وإعادة تركيبه فى 1997 بعدما علم من الدكتور عبد الرحيم شحاته محافظ القاهرة حالة المسجد السيئة وتم هذا مع الإصلاحات والتجديدات الأخرى التى تمت فى بقية إيوانات المسجد والطريق المحيط به ونفذت بتكلفة قدرها 15 مليون جنيه وانتهى العمل بها فى أكتوبر 2002
عند دخولك ساحة المسجد يغمرك إحساس رائع بالسكينة والهدوء النفسى عندما تجد نفسك وسط بهو كبير تتوسطه ميضأة أقيمت فوق بئر قديم تم ردمه تعلوه قبة كبيرة ويتكون المسجد من مدخل رئيسي بارز يقع فى الجهة الغربية للجامع الذي يتكون من صحن كبير مكشوف تحيط به أربعة أروقة ذات سقوف خشبية بسيطة أكبر هذه الأروقة هو رواق القبلة ويتكون من إحدى وعشرين بائكة تتكون كل منها من ستة عقود مدببة مرتكزة على أعمدة رخامية وبصدر رواق القبلة محرابين مجوفين يجاور كل منهما منبر خشبي أحدهما منبر الدكتور محمد عبد السميع جاد والآخر منبر الدكتور عبد الصبور شاهين ويوجد بجدار القبلة لوحتان ترجعان إلى عصر مراد بك أما المحراب الرئيسى فتعلوه لوحة كتب عليها بماء الذهب أبيات شعر تعطى معنى ترميم المسجد وصاحب هذا الترميم وسنة بناء الإيوان وافتتاحه عام 1212 مـ كما يوجد بالركن الشمالي الشرقي لرواق القبلة قبة يرجع تاريخها إلى عبد الله بن عمرو بن العاص أما صحن الجامع فتتوسطه قبة مقامة على ثمانية أعمدة رخامية مستديرة الشكل وكانت نوافذ الجامع القديمة مزخرفة بزخارف جصية لا زالت بقاياها موجودة بالجدار الجنوبي ويتوج واجهات الجامع من الخارج من أعلى شرافات هرمية مسننة كما أن للجامع مئذنة يرجع تاريخها إلى عصر مراد بك وهي مئذنة بسيطة تتكون من دروة واحدة ذات قمة مخروطية وقد أشيع بين العوام ولوقت قريب عدة خرافات متعلقة بالمسجد العريق وللأسف ترسخ في وجدان البعض صدق هذه المزاعم حتى قامت الجهات المسئولة باتخاذ عدة إجراءات استطاعت من خلالها أن تقضي عليها وتزيلها من نفوس وعقول البسطاء ففي إيوان القبلة من الجهة الشرقية الجنوبية يوجد بئر قديم كان يستخدم قديما في الوضوء ومع مرور الزمن جف هذا البئر إلا من بعض المياه الراكدة وقد شاع بين النساء أن هذا الماء يشفي المرأة العقيم بعد أن يصب على ظهرها وظل هذا البئر قبلة للسيدات حتى قامت هيئة الآثار بوضع غطاء على هذا البئر في الترميم الأخير وشاء القدر أن تجف مياهه بعد مشروع المياه الجوفية حول المسجد لتنتهي هذه الأسطورة التي استمرت سنوات وفي نفس هذا الإيوان من الناحية البحريه كان يوجد محراب صغير كانت السيدة نفيسة رضى الله عنها تتخذه مصلي لها وفي الجمعه اليتيمة كانت السيدات الأميات تأتي لتقبيل هذا المحراب ويقف أحد الخدم بعصا صغير لضرب رؤوسهن إذا غبن في التقبيل لا لشىء إلا لافساح المكان لمزيد من الزبونات فهناك خادم آخر يشاركه المكان وقف خصيصا لجمع القروش من السيدات وعند إجراء الترميمات الأخيره تم إزالة هذا المحراب وسط حزن خدام المسجد الذين اتخذوا من هذه المهزلة وسيلة للتكسب وما زالت الخرافات مستمرة وبفضلها تحول إيوان القبلة على ما يبدو الى معقل لهذه النوعية من الأكاذيب ففي منتصف البائكة الأخيرة منه يوجد عمودان رخاميان كان في عهد الفاروق عمر والفاتح عمرو بن العاص يأتي الى المسجد المتنارعون ليحتكموا إلى عمرو فكان كما أشاع مرددو الأباطيل يدعو الخصوم الى أن يمروا بين هذين العمودين فمن صدق حديثه مر بينهما وإن كان بدينا ضخم الجسم أما إذا كان كاذبا فإنه لا يمر وإن كان نحيفا وبذلك يكون هذان العمودان قد تحولا بفضل البدع والأكاذيب إلى جهاز يكاد يتفوق على جهاز كشف الكذب الشهير والطريف في الأمر أنه وقتها لم تكن توجد أعمدة رخامية بالمسجد وعلى مقربة من دكة القارىء في نفس الإيوان الموعود يوجد هذا العمود الذى أحاطته وزارة الأوقاف بقفص حديدي حتى عام 1986 بعد أن أشيع بين العامة أن الخط الحلزوني المرسوم عليه هو أثر ضربة كرباج عمر بن الخطاب للعمود عندما استعصى على العمال حمله من المدينه إلى الفسطاط أثناء بناء الجامع وعندما ضربه استجاب له وكالعادة استغل البعض هذه الأكذوبة وقاموا بتطويرها وأشاعوا أن المريض بمرض لا يرجى شفاؤه ما عليه إلا أن يضع لسانه على العمود عدة مرات ليحصل على الشفاء وبالطبع انتشرت هذه الخرافة انتشار النار في الهشيم رغم محاولات مشايخ المسجد العديدة تفنيد هذه الأكذوبة التي ينفيها عدم وجود اعمدة رخامية بالمساجد في هذا الوقت سواء في المدينه أو الفسطاط ولم يفلح معهم إلا فكرة قفص الأوقاف التى قامت بإزالة العمود كلية عند إعادة بناء الإيوان وبذلك نسي الناس هذه الأكذوبة المختلقة وكما كان المسجد العريق معقلا لبعض البدع والأساطير كان وسيظل قبلة المصلين من كل مكان والمنارة التي ما زالت إلي يومنا هذا تبث الفكر الإسلامي الرشيد يصف الاستاذ أحمد رزق محامى المسجد المشاهد الإيمانية الرائعة التى يكتظ فيها المسجد بالمصلين فى المناسبات الدينية المختلقة خاصة الاحتفال بليلة القدر وختم القرآن والجمعة اليتيمة وصلاة العيدين قائلا أنه منذ أن تولى فضيلة الشيخ محمد جبريل إمامة التراويح فى المسجد عام 1988وجنبات المسجد تضيق بالمصلين الذين يصل عددهم حوالي نصف مليون أو أكثر خاصه فى ليلة القدر التي يطيل فيها الدعاء ليظهروا فى مشهد رائع تموج فيه أعداد هائلة من البشر تنطلق خارج المسجد بعد الصلاة الى الشوارع والحارات المحيطة به لتصل إلى شارع صلاح سالم شمالاً ومنطقة ماري جرجس جنوباً وغرباً حتى سور مترو الأنفاق مشهد بديع ليس له مثيل يتزلزل الكيان مع الرهيه والقوة لهذا المسجد العريق ومنظر مبهج ورائع خروج المصلين مع شروق الشمس بعدما يصلي الجميع صلاة الضحى بعد يوم من اخلاص للطاعه اللهم تقبل من الجميع